من تفسير وتأملات
الآباء الأولين
رسالة بولس الرسول إلى
تيطس
القمص تادرس يعقوب ملطي
كنيسة الشهيد مار
جرجس باسبورتنج
مقدمة
أهمية الرسالة
كتب القديس بولس إلى تلميذه تيطس الأسقف المسئول عن
رعاية جزيرة كريت كلها. وقد اتسم باستقامة الإيمان والسلوك بحسب روح الكنيسة،
لهذا لم تأتِ الرسالة لتشرح عقيدة إيمانية، ولا لتصحيح أفكارٍ لاهوتية، بل
لتترجم الإيمان المستقيم في حياة الأسقف.
لقد كشفت لنا جانبًا هامًا ومفهومًا عميقًا للحياة
المسيحية، إنها ليست عقائد ذهنية ولا فلسفات جدلية، بل هي حياة وروح يعيش بها
الأسقف كما الشعب كل في نطاق مسئوليته وحدود عمله.
نستطيع أن نقول أن هذه الرسالة تمثل لنا الفكر
الرسولي من جهة العمل الرعوي الذي يتركز في الآتي:
1. سيامة أسقف وشمامسة
هذا هو العمل الأول لرئيس الأساقفة ألا يحنى ظهره
وحده ليحمل نير المسيح، بل في محبة يطلب رعاة وخدامًا يشاركونه حب المسيح في
العمل الكرازي الرعوي.
هذه هي روح الكنيسة الأولى... توجيه كل الطاقات
للعمل. فمن وُهب عطية الرعاية فليقام للخدمة، كما البتوليون والأرامل والشعب،
الكل يعملون حتى الأطفال الصغار ينبغي أن يعيشوا بروح الخدمة والكرازة بصورة أو
أخرى.
لكن يليق ألا ننُشغل بكثرة العمل أو تزايد عدد
الخدام بل يلزم التدقيق الشديد في اختيار رجال الكهنوت، فيُفحص المرشح من جهة
حياته الخاصة والعائلية وعلاقته بالمؤمنين وغير المؤمنين، وقدرته على التعلم
والتعليم الخ.
2. عرض لنا بعد ذلك صورة مبسطة للتوجيهات الرعوية
التي يليق بالأساقفة أن يقدموها لكل فئة من فئات شعبهم لاختبار الحياة مع ربنا
يسوع خلال سلوكهم اليومي. وهو بهذا يطالب الرعاة ألا يقدموا لرعيتهم قواعد
جامدة، ولا قوانين صارمة، بل يعلنون "المسيحية " كحياة مع السيد المسيح،
يتذوقها الشيخ ويستطعمها الطفل، يعيشها الرجل وتختبرها السيدة، يتقبلها السيد
ويستريح لها العبد. وباختصار يجد كل إنسان راحته في الرب يسوع خلال حياته
اليومية.
3. وأخيرًا يترجم لنا الرسول الحياة مع ربنا يسوع
في سلوكنا مع الآخرين. فلا يعيش المؤمن كمعتصبٍ أعمى، ولا يخلق لنفسه مجتمعًا
مستقلاً داخل المجتمع، ولا يغلق على نفسه بل يكون متفتحًا للجميع... يخضع
للرؤساء والسلاطين بفرحٍ وسرورٍ كما للرب، يحب الجميع ويتسع قلبه للكل دون أن
يداهن أو يمالق على حساب الحق!
من هو تيطس؟
1. قيل أنه من أنطاكية الشام، ويرى البعض أنه ابن
أخ والي جزيرة كريت.
2. من أصل أممي (غل 2: 3) من والدين أمميين.
3. آمن على يدي الرسول بولس، لذا يدعوه ابنه الخاص
(1: 4) وكان أحد أخصائه الذين يباشرون الكرازة تحت إشرافه. وكما يقول عنه
القديس يوحنا ذهبي الفم:]كان أحد
رفقاء بولس المفضلين، وإلا ما كان قد ائتمنه على حمل أعباء هذه الجزيرة كلها،
ولا أمره بتكميل ترتيب الأمور الناقصة به (1: 5)، ولا قلده رئاسة الكثير من
الأساقفة...[
4. لا نعرف متى آمن؟ أو أين؟ أو كيف؟ إنما آمن على
يديّ الرسول بعد تحوّله بأقل من 14 عامًا إذ تجوّل معه وذهب معه إلى أورشليم
(غل 2: 1) وحضر معه مجمع الرسل (أع 15). وربما كان لوجوده في المجمع أهمية
خاصة، إذ يتقدم كمثلٍ حيٍّ لعمل الله في الأمميين.
5. ربما عاد مع الرسولين بولس وبرنابا بعد المجمع
مرافقًا سيلا ويهوذا (أع 15: 23). على أي الأحوال كان الرسول يرتاح إليه جدًا
ويأخذه معه في أسفاره.
6. كان معه في كريت، حيث تركه الرسول لتكمله الأمور
الناقصة، وليقيم فيها أساقفة وقسوسًا، غالبًا ما كان هذا بعد سجنه الأول.
7. كان معه في سجنه الثاني، لكنه لم يبقَ معه حتى
المحاكمة بل تركه وذهب إلى دلماطية (2 تي 4: 10).
8. يقول التقليد أنه عاد إلى كريت وكرز هناك وفي
الجزائر المجاورة.
9. انتقل وعمره 94 عامًا كما قال عنه بارونيوس
نقلاً عن القديس جيروم الذي قال أيضًا أنه بقى بتولاً.
10. يجله أهل البندقية بكونه أحد الكارزين لهم.
غاية الرسالة
اتسمت جزيرة كريت منذ العصور الأولى بالفساد. هذا
وقد قام فيها بعض المعلمين الزائفين الذين ينادون بخرافات يهودية. من أجل هذا
بعث الرسول بولس هذه الرسالة يشجع الأسقف تيطس على الكرازة والعمل غير مستهين
بحداثته، مقاومًا كل تعليمٍ زائفٍ.
كيف دخل الإنجيل جزيرة كريت؟
1. نقرأ في سفر الأعمال أن بعض الكريتيين كانوا
حاضرين يوم الخمسين (2: 11)، وإذ آمن بعضهم ربما عادوا إلى بلادهم يكرزون
بالكلمة.
لكن الكتاب المقدس والتاريخ لم يذكرا لنا آثارًا
تذكر لهذه الكرازة ففي زيارة القديس بولس السجين إلى روما (أع 27: 7ـ8) لم نسمع
أن أحدًا من المسيحيين في كريت لاقاه، الأمر الذي جعل البعض يؤكدون أنه حتى
سجنه الأول لم يكن في الجزيرة خدمة تُذكر.
2. ويرى البعض أن الرسول بعد سجنه الأول في روما
عاد إلى آسيا الصغرى ومكدونية، وأنه ليس ما يمنع من أن يكون قد عبر إلى كريت
وبقى هناك زمانًا انتشرت فيه الكرازة في مدن كثيرة حتى احتاجت إلى سيامة أساقفة
كثيرين وبقاء تيطس كأسقف هناك.
وفي نفس الرحلة أيضًا ترك تيموثاوس في أفسس وذهب
إلى مكدونية، وكتب من هناك أو من مدينة مجاورة لنيكوبوليس إلى تلميذيه تيموثاوس
و تيطس.
مكان وزمان كتابتها
يرى البعض أنها كتبت من أفسس، وآخرون أنها من
نيكوبوليس، وذلك بعد سجنه الأول حوالي سنة 63م أو 64م.
أقسامها
1. شروط الأسقف الأصحاح الأول.
2. تعاليمه لفئات شعبه الأصحاح الثاني.
3. علاقة شعبه بالغير الأصحاح الثالث.
|